في اليوم الأول من افتتاح الدورة الحادية والأربعون لمعرض الكويت للكتاب تجولت بضعة ساعات في أروقة المعرض ووجدت تغيرات إيجابية في العديد من المكتبات والمؤسسات سواء في تحسين المظهر الخارجي أو تنويع عناوين الكتب. قدمت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي برامج وعروضا عن العبقري ابن الهيثم وجدتها شائقة جدا كما أن المؤسسة تعاونت مع عدة جهات لإصدار كتاب عن ابن الهيثم وهو كتاب جديد ورائع في مضمونه واخراجه. ويقدم المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج اصدارات تخصصية حديثة مثل كتاب معجم المصطلحات التربوية والنفسية. ونجحت دور النشر في عمل ديكورات جذابه وابداعية لتسويق اصدارتها، وتحقيق غاياتها، وابهار زوارها. ومن جهة أخرى جذب معرض الكتاب الحالي بأنشطته وفعالياته وحسن إدارته أفواجا هائلة من الناس وهذا ينعش الأجواء الثقافية في البلد. السؤال الذي أخذ يراودني هو: لماذا يحرص الناس على اقتناء الكتاب في المعرض في حين أن مكتباتنا العامة شبه مهجورة طوال العام؟ وللإجابة عن هذه المفارقة فمن الواضح أن هناك تعطش للمعرفة والثقافة وإشاعة مظاهر التعلم عند الصغار والكبار هذا ما شعرت به أثناء تجولي في أجنحة المعرض، وأخذت أفكر في هذه الأعداد الكبيرة من زوار المعرض لماذا يتلهفون على اقتناء الكتاب والمنتج النافع مع أن مكتباتنا العامة غالبا خاوية من تلك الجموع الغفيرة على مدار السنة. أعتقد أن مكتباتنا العامة تنقصها أركان تؤهلها لمسايرة العصر وتشويق الناس للمعرفة. ذكرياتي كثيرة في المكتبات العامة في دولتنا الحبيبة وفيها مصادر ومراجع نافعة تحتاج إلى مزيد منها، وتحديث فيها وهذا يتطلب نهج إداري جديد. يحزنني أن أجد ضمورا في أنشطة المكتبات العامة، وضعفا في خدماتها، وانكماشا في أداء دورها التنويري. ثمة مناطق سكنية محرومة تماما من المكتبات العامة لأعذار الصيانة والتجديد (رغم حداثة المبنى)، ومعظم المكتبات العامة لا تجد لها ولأنشطتها أثرا في شبكة الانترنت، ولا تستقبل الأطفال، ولا تستقطب الشباب، ولا تجذب كبار السن. إنها مسئولية الجهات المعنية في وضع برامج تنموية يُعلن عنها في بداية السنة تحدد شهريا الأنشطة المقدمة لأهالي كل منطقة لجميع الفئات العمرية على اختلاف احتياجاتها. ولا بد من تقييم الخطط السنوية لكل مكتبة عامة ورصد جدواها من جهات محايدة. دور أهالي المنطقة المطالبة بحقوقهم وحقوق أطفالهم في إيجاد مكتبة عصرية تلبي تطلعاتهم، وتوفر برامج تثقيفية مكثفة على مدار السنة. ليست القراءة فترة موسمية بل هي عادة وعبادة تدل على سمو المجتمع ورقيه. تقاس مآثر الأمم بعدة مقاييس منها ارتياد المكتبات ومعارض الكتب واحياء المظاهر الثقافية على نحو ابداعي. نريد أن تستوعب مكتباتنا القراء والباحثين، وتحتضن الأطفال والمتعلمين، وتخدم المحتاجين والمعاقين، وتقدم البرامج النافعة لجميع الفئات العمرية. في هذا العام تشهد الكويت احتفالات اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية، وهي مناسبة تمهد لانطلاقة تجديدية أعظم. نعم لدينا في دولتنا الحبيبة مجموعة تجارب ناجحة في العناية بنشر الثقافة ينبغي تطويرها، وتوسيع نطاقها.