ثقافة التعامل مع الفتاة الجامعية ثقافة مهنية وإنسانية غاية في الأهمية، وكلما ارتقت المعاملة، تحسنت مخرجات العملية التعليمية، وأثمرت جيلا مهذبا متعلما تعليما راقيا مقتدرا على الارتقاء بشخصيته، وخدمة بلدة على نحو سليم.إن اعتناء عضو هيئة التدريس والتدريب بألفاظه وتوجيهاته وتعامله مع الطلبة خير وسيلة لتقليص حالات الرسوب، فضلا عن التسرب الدراسي.هل ينسى المعلم نفسه، عندما يفارق مقاعد الدراسة، ويصبح معلما في الكليات الجامعية؟ هل ينسى معاناته وأحلامه ومشاعره وإحباطاته؟ كان حلمه يومئذ، وهو طالب، أن يشق طريقه بسلام نحو النجاح والتفوق، وأن يجد معلما يفهمه ويدعمه ويتعاون معه، ويراعي مشاعره ولا يخيفه بالتلويح بالدرجات تارة، ولا يرهبه بصعوبة الاختبارات ومشقة الواجبات تارة أخرى. وفي هذا المقام نتساءل: ماذا تريد الفتاة الجامعية من معلميها ومعلماتها؟تريد الفتاة الجامعية أن تنعم في بيئة تربوية قوامها الاحترام المتبادل، والحوار، والإقناع، والإبداع، ولا تريد أن تجد نفسها في ثكنة عسكرية هدفها تدريب الفرد على الانصياع للأوامر والطاعة التامة من دون نقاش أو تردد. تريد فتياتنا الجامعيات الموجه الفطن والمربي اللبق، الذي يرشدهن نحو أهدافهن وطموحاتهن ويصقل مهاراتهن، ويكرهن من يحجمهن ويستصغر إمكاناتهن. يريدن معلما يتعلم معهن لا معلما جامدا لا يجدد نفسه، ولا يجهد فكره في اكتساب علوم العصر.إن من أشكال احترام الطالبة حرص المعلم على أن يحدد ساعاته المكتبية ويلتزم بها حق الالتزام. هذه الساعات من الحقوق الجامعية الأصيلة، وعليه يجب الإعلان بوضوح عن أوقات تواجد المعلم في مكتبه لساعات محددة أسبوعياً، يجيب خلالها عن استفسارات طالباته ويتابع مشاريعهن ومقترحاتهن. تمتلك الفتاة الجامعية قدرات متنوعة، ومن الخسارة ألا يكتشف عضو هيئة التدريس تلك الطاقات الكامنة لدى الطلبة.ومن أشد الأمور التي تسبب الفتور لدى المتعلمين والمتعلمات عدم توزيع ورقة توصيف المقرر (الخطة الدراسية)، فهي البوصلة التي تحدد المسار طوال الفصل الدراسي. إن معرفة الطالبة لحقوقها وواجباتها والمبادرة إلى ممارستها من أهم مقومات الحياة الجامعية، بل الحياة عموما.ولا شك في أن أعظم أمر في التعليم كله أن يحترم المعلم إنسانية من يتعامل معه، فلا يغمز ولا يلمز بقدرات الطلبة، ويحترم خصوصية الفتيات ولا يستصغر ــ بحال من الأحوال ــ مكانة المتعلم، بل يكون دائما محفزا له، حريصا عليه، ينزله منزلة عالية. وهذا يتطلب مجموعة قيم، من أبرزها ألا يتصيد المعلم أخطاء الطلبة، بل برفق يصوبها، وبذكاء يقوم بتحسين القدرات، وشحذ الملكات، وصقل المهارات. وفي هذا السياق، أود التأكيد أن الحزم مطلوب في إدارة الفصل، ولكن الحزم ليس مبررا لقمع آراء الطلبة، وإحراجهم كلما أخفق الطالب في الإجابة.نحن جميعا بحاجة إلى أن نجلس مع طالباتنا، ونفهم نفسياتهن، ونتعلم من مواهبهن، ونشعرهن بأن وظيفة المعلم التعاون معهن لصناعة شخصية فتاة المستقبل المليئة بالطموح الجديرة بالثقة، والمتألقة مجتمعيا بشخصيتها المستقلة، وتصرفاتها الموزونة، ومشاعرها الفياضة.وجود معلم موهوب يؤمن برسالته أولا، ويحترم طلبته ثانيا، ويصر على تحسين عمله ثالثا، بداية الطريق نحو الارتقاء بعالم التربية والتعليم والإيجابية والنجاح والابتكار.