يشكل المراهق مخزونه الفكري والعاطفي بناءً على الخبرات المتراكمة، والتحولات المتعاقبة التي يمر بها. ولعل فهم طبيعة مرحلة المراهقة يعزز حالة الانسجام، ويقي من مشاكل عديدة، فالإنسان المدرك للتغيرات الجسمية والنفسية والمعرفية في هذه المرحلة يستمتع بها مثل أي مرحلة عمرية متعاقبة يجتازها باعتبارها موسما من مواسم العمر فيتقاسم غنائمها، ويعالج التحديات الناجمة عنها. فهم محركات سلوك المراهق أداة رئيسة للاستمتاع بجماليات الحياة، وفي اللحظة نفسها خفض درجة التوتر. وينتج عن ذلك التصور ارتفاع مستويات ثقة الفرد بنفسه كلما تخلص من الضغوطات الأسرية والمدرسية والجامعية.إن المراهق الذي يتدرج نحو الرشد والنضج في نموه المعرفي والعاطفي والجسدي يمر بمواقف قد تقبع في عقله فتشوه تكوينه ولا تغادر طبعه أبدا حتى بعد انتهاء طور الشباب. ومن هنا جاء الاهتمام بهذه المرحلة التي قد تكون حرجة أو مفترق طرق إذا تم تجاهل معالمها، وطرق التعامل معها. هناك مبالغة في تصور أزمة المراهقة (Adolescence Crisis) وتضخيم لأضرارها، وهذا تصور لا يخدم كثيرا في سبر أغوار مرحلة الشبيبة. ومن المؤكد أن صعوبة التعامل مع المراهق ينتج مشاكل لا حصر لها في الأسرة وخارجها، ولكن الاعتقاد بأن المراهقة مرحلة التمرد والطيش والعدوانية والخبرات الخطرة والصبوة من المعتقدات الخاطئة التي قد تضلل شريحة الشباب وتبرمج المراهق سلبا من جهة، وتفزع المربين وتربكهم من جهة أخرى.في مرحلة الاستكشاف عن الذات وميلاده العاطفي قد يلتصق المراهق بأصدقائه ويقتبس سلوكيات مرغوبة أو غير ذلك، فتتشكل شخصيته لتصبح شخصية مترددة أو عاجزة أو متهورة أو انطوائية. لا يحقق المراهق شخصيته المستقلة السوية إلا بتقبل ذاته، وبناء شبكة اجتماعية لا تعيق نموه، وإلا أخفق وظهرت عليه الانفعالات الحادة، والتصرفات الشاذة.وفي مرحلة المراهقة يتشرب المراهق القيم التي تنظم وتحكم اتجاهاته وتصرفاته فتتأصل في أعماقه وتحدد هويته سلبا وايجابا. تغدو القيم مدخلا له ليتحمل المسؤولية حيثما كان فيلتفت لمن حوله ويشاركهم طواعية في إثراء البيئة التي ينتمي إليها.تشهد التجارب المجتمعية أن المراهق يفر من أسرته والمكان الذي ينتمي إليه إذا شعر بالإهانة والانتقاص من قدره أو التجاهل وعدم التقدير. تلك الأفعال البغيضة تغضب المراهق على نحو سريع ولا يمكن توقع ردود فعله تجاه ذلك التعامل غير اللائق. كثير من الآباء والأمهات خسروا فلذات الأكباد لمواقف سخيفة. أخطاء المراهق فرصة لإرشاده بالحب، وليست مناسبة لسحق شخصيته وتهشيم كيانه. تمسح التربية السلطوية القمعية البوليسية شخصية المراهق وتحرمه من تذوق طعم الحب والتسامح والجمال، والشخص الذي يتربى بعيدا عن معين الرفق والحب تزيد فرص انحرافه مما يساعد في إفراز أناس يخضعون للأغلال بعد خنق حرياتهم وذبول أحوالهم.