«أينما كنت فسيرغب بعضهم في التنقيب في جلدك… فاحذر أن تدغدغ غريزتهم يا بني، وحاذر أن ترضخ لوطأة الجمهور»أمين معلوف – «ليون الأفريقي»تنبع قوة الشخصية من ذاتها، التي تتوخى الدقة وسماحة الأخلاق، فلا يليق تقسيم الناس حسب مذاهبهم وأعراقهم وأنسابهم وعوائلهم وأموالهم. أساس العدالة تنقية المجتمع من المجاملات، ومن نفوذ الأقرباء في انجاز المعاملات الوزارية، وفي تمرير المناقصات التجارية، وفي الحصول على المناصب. قصة أصلك وفصلك قصة متواصلة ضيعت مجتمعات، وحرمتها من طيب الحياة. من أين أنت؟ وولد من أنت؟ بل ربما جرت هذه الحوارات على لسان المعلم، عندما يسأل عن هذا الأمر، ويظن خاطئا أنه يتحاور مع طلابه في أمر محمود، مثل هذا المعلم لا يسأل المتعلم: ماذا قرأت؟ وماذا تعلمت؟ وما المهارات التي تتقنها، والفنون التي تستمتع بممارستها؟ورغم التغير الاجتماعي الكبير في بنية المجتمع وعقليته الباطنة فإن بقايا صراعات النزعة العنصرية تكاد تجد لها أثراً واضحاً ومخيفاً في أروقة المؤسسات التعليمية وغيرها. هذا النمط التصنيفي في الفكر نجده يتستر خلف تزكية الأشخاص، بل هذه النزعة التصنيفية ربما لها دورها الفاعل والفاصل في تحريك الأصوات إذا اقتربت ساعة الانتخابات النيابية، وكشفت «الفزعة» عن ساقها! عندما ينبثق سلوك الفرد من نظرة استعلائية، فإنه لا يتوقف عند حدود القوانين ولا يخضع لها، بل يلتف عليها بقوة معارفه وهيبة أقربائه. ومن هنا فإن الحرص على تصنيف الناس بطرق فجة، والشغف في الكشف عن شبكة قرابة فلان وفلان لوثة تجعل البعض يقف معك مستفسراً ليعرف أصلك ومذهبك وعائلتك، ولا يسألك عن صنعتك وتخصصك وإنتاجك وسعيك!وعندما نتعامل مع موضوع الانتخابات، وإنجاز المعاملات تتحرك أمواج الواسطة لتلويث المجتمع وتفكيك أواصره، وتقليل قدر الحياة المدنية القائمة على عمل المؤسسات، التي لا صلة لها بالقرابات والمعارف والشخصانية، بل أساس عملها النظام ونزاهة الأداء والشفافية والمساواة.تعاني البشرية من طغيان النزعة القومية والاتجاهات العرقية، والمتتبع الفاحص لجذور كثير من المجازر التي وقعت عبر التاريخ في شتى بقاع العالم، يجد أنها تحركت بداياتها متأثرة بتلك النزعة الاجتماعية البغيضة. أخوة الإنسانية قيمة عظيمة تدفع الناس إلى الارتقاء والالتقاء في مشترك نبيل.أعتقد أن التكسب الانتخابي والوظيفي عبر بوابة القرابة فيه تقزيم لمنجزات الآخرين، فالتصنيف نزعة موجهة نحو تفتيت وحدة الوطن أساسا. إن هذا البلاء يداهم المجتمعات عموما رغم التقدم المدني الحاد، ورغم انتشار السلوكيات المتحضرة. من صور أمانة الفكر تفعيل مبادئ حياتية أساسها: قيمتك بقدر جودة عملك وعطائك وطيب مساعيك، وليس في علو نسبك، وكثرة ممتلكاتك. معرفة الأصل والفصل ضرورة لصلة الأرحام والتعارف والتعاون بين الناس لا التباهي بينهم، وليس مدعاة إلى تحقيق المغانم والإطاحة بقيم الحياة الدافقة بالإنسانية.