مُياومات أو يوميات أو مذكرات ذاتية يكتبها الشخص عن سيرته لأسباب عديدة، وهي محط عناية لكثير من المهتمين من مثل الفنانين والمؤرخين والأدباء والقراء. وفي هذا السياق المتصل بالمذكرات والمفكرات وكتابة اليوميات ظهر قبل سنتين مسلسل بعنوان «عوالم خفية»، وهو يعرض اليوم على شبكة نتفليكس. المسلسل من بطولة الممثل الكبير عادل إمام الذي مثل دور صحافي مخضرم اسمه هلال كامل. وبعيدا عن لغة النُّقاد في الأعمال الدرامية ومع كامل الاحترام لملاحظاتهم الوجيهة وانتقاداتهم الفنية العديدة على هذا العمل تحديدا، سوف أكتب هنا انطباعي العام على هذا الإنتاج. تدور أحداث المسلسل التلفزيوني حول مذكرات فنانة اسمها «مريم رياض» تُوفيت في ظروف غامضة وتركت يومياتها المكتوبة بخط اليد وهي ممتلئة بالألغاز والرموز. عثر الصحافي (هلال كامل) بالصدفة على تلك اليوميات، وبدأ بفك رموزها شيئا فشيئا على مدار ثلاثين حلقة. تضمن المسلسل العديد من القضايا الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والصحية، والنفسية، والأخلاقية، حيث يقوم الصحافي هلال بكشف الحقائق المدونة في اليوميات، واستدل على شخصيات اجرامية وشبكات الفساد المشار إليها تلميحا لا تصريحا في المذكرات. يكشف المسلسل ما يحدث في أروقة الصحافة ومتاعب الصحافيين في نشر الأخبار، وصولا إلى الحقائق التي يريد معرفتها الرأي العام «نبض الشعب». ولقد تم عرض المشاهد بطريقة درامية، كوميدية تجذب المشاهد ولا تخلو من اللفتات الاجتماعية العميقة. محاربة الفساد وتتبع جرائم المفسدين صلب يوميات «مريم»، وهي قضية نقاشية مشتعلة في جميع دولنا العربية، بل هي من أكبر موانع التنمية الحقيقية. وكان التركيز الشديد في هذا العمل الدرامي على قيم المواطنة واحترام القانون ومحبة الإنسان وإعلاء شأن الدين والتحذير من التشدد المقيت، ونبذ التكسب الكريه. ولعل قضية الحاجة إلى تنشيط روح التعايش وحسن التعامل مع شريحة الشباب أهم القضايا التي رافقت الأحداث الدرامية خطوة بخطوة. عالجت الحلقات ظلم الأيتام والتفكك الأسري، وحذّرت من تسويق فكرة الشذوذ الجنسي، وسلطت الضوء على الفساد المستشري في أروقة المؤسسات التعليمية، والمتفشية في الجسدين الطبي والأمني. قدّم الصحافي هلال كامل استشاراته ونظراته لأسرته ومجتمعه على حد سواء، وكان بحق وحقيقة نبض الشعب، وبهذا المسلك داعب هلال خيال المشاهدين العرب المتعطشين لتطبيق قيم العدالة في مجال القضاء والتعامل اليومي. أكد هلال كامل بقراءته المتأنية لمذكرات مريم رياض أن القراءة الفاحصة طريق فك رموز العوالم الخفية، وأن المطالعة الاستكشافية أيضا وسيلة التقدم لاكتساب الحقائق والدقائق وجسر للتواصل بين الأزمنة. وهكذا ترجم عادل إمام في طيات عمله الفني والاجتماعي والنفسي أهمية القراءة المتفحصة والكتابة الأمينة في حياتنا جميعا. إن الأعمال التلفزيونية وغيرها ذات الصلة بالقيم الإنسانية المشتركة هي الأعمال الخالدة الناطقة بالحسنى، والقادرة على البقاء والاستمرار مع مرور الزمن لأنها تخاطب ضمير الإنسان أينما كان.