نشر المعهد العالمي للفكر الإسلامي – مقره في فرجينيا – كتابا أكاديميا جديدا بعنوان: التراث التربوي الإسلامي: حالة البحث فيه، ولمحاتٌ من تطوُّره، وقطوفٌ من نُصوصِه ومَدَارِسِه. تولى الكتاب مهمة مسح عام للكتابات التي كُتبت عن التراث الإسلامي في محاولة جادة لتصنيف مناهجها، واتجاهاتها، وجهات نشرها. يتكون الكتاب من 655 صفحة بقلم أ. د. فتحي حسن ملكاوي، وهو صاحب إسهامات مقدرة.
وفي الفصل الثاني من الكتاب قام الملكاوي بالتعريف بتسعة مؤلفين كتبوا في التراث التربوي الإسلامي، منهم سعيد إسماعيل علي (مصر)، وعبد الأمير شمس الدين (لبنان)، وماجد الكيلاني (الأردن)، وفاضل النجادي (العراق)، ولطيفة الكندري (الكويت)، حيث قام المؤلف – مشكورا – بذكر سيرتي الذاتية بإيجاز (الميلاد، التخصص، جهة العمل، المناصب الوظيفية)، ثم قدم خلاصات عن طائفة من أبحاثي المتعلقة بالتراث التربوي الإسلامي، وهي: تربية الطفل في سير أعلام النبلاء، وتوظيف علاقة العالم بالمتعلم عند الإمام الغزالي في محيط الأسرة، والمضامين التربوية في فكر الإمام الشافعي في ضوء المعطيات المعاصرة، والفكر التربوي ودوره في الحضارات ورفد الواقع، وتراثنا التربوي ننطلق منه ولا ننغلق فيه.
ولقد وُفق المؤلف في وصف وعرض لب دراساتي التراثية، خصوصا دراستي المستفيضة عن الفكر التربوي عند الغزالي، حيث قال الملكاوي «توظيف علاقة العالم بالمتعلم عند الإمام الغزالي في محيط الأسرة، د. لطيفة الكندري، أطروحة الدكتوراه 2001م، في جامعة ولاية بنسلفانيا الأميركية. تناولت في رسالتها فلسفة التربية عند أبي حامد الغزالي بتحليل أفكاره المتصلة بعلاقة العالم بالمتعلم، واقترحت نموذجا مطورا لاستخدام تلك الآراء في محيط الأسرة، ومن ثم توسعت في دراستها لتشمل المطالبة بتفعيل دور المرأة شريكا متكافئا مع الزوج في عملية التنشئة الاجتماعية». وعن دراستي «تربية الطفل في كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي»، قال الملكاوي «تشترك فصول الكتاب في التركيز على قضايا تطبيقية تمس حياتنا اليومية، وتعاملاتنا الأسرية والمدرسية، في ما يتصل في تربية الطفل وحسن رعايته، وسبل هدايته، وأخلاقيات المتعلم، وتعامل المربي مع الطفل، والتعامل الواعي مع غرائب التراث».
الغرضُ من كتاب الملكاوي وجهوده البحثية الحثيثة هو «بناءُ رؤية تكاملية للتراث التربوي الإسلامي، عن طريق عرض خريطة مناسبة لمجمل التراث، تتكامل فيها توجُّهاته الفكرية والمذهبية، وتنوُّع ممارساته من قوة وضعف، وبيان حالة البحث فيه، ولمحات من تطوُّرِه، وتنوُّعِ مدارسه، ونماذج من نصوصه، بما يوفر فرصة للاقتراب من لغته وأساليب عرضه، وبعض الرؤى التحليلية لموضوعاته، ومقترحات لمنهجية التعامل معه». وفي ضوء الأدبيات التي درسها المؤلف أكد على قدرة التراث التربوي الإنساني على أن يسهم من جديد في صياغة الفكر وتوجيهه.
وإنني في هذا المسار أنصح الباحثين الجدد بدقة انتقاء موضوعات تربوية حيوية للتخصص فيها أثناء تقديم أطروحة الدكتوراه وغيرها، وأن يقوموا بنشر ثمارها. ولقد استفدتُ عمليا من دراسة فلسفة التربية الاجتماعية لمتابعة مشوار تمكين المرأة، ورعاية الطفل، وبناء الأسرة المتعلمة، في ضوء المرئيات التراثية المتزامنة مع متطلبات النهضة المعاصرة.