أ.أشكناني : التدخل العلاجي المبكر يخفف من أضرار الإساءة النفسية للطفل مستقبلاً

أ.أشكناني : رفع الوعي المجتمعي بأشكال الإساءة النفسية للطفل يساهم في الحد من انتشارها



( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) صدق الله العظيم.

هل يحترمك طفلك؟! ام يخاف منك؟!

الأطفال هم أساس تكوين المجتمع، فالطفل هو اللبنة الأولى في بناءه، وتعد مرحلة الطفولة من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان كونها المرحلة التي تتشكل فيها شخصيته، وقد حثنا ديننا الإسلامي على حماية الطفل ونبذ العنف ضده، ومن الحقوق التي كفلها الإسلام له هو حق الرعاية والعناية وحسن التربية، وتوفير البيئة المناسبة له، بعيداً عن أي نوع من أنواع الإساءة التي لا تقتصر على الكدمات أو الإصابات الجسدية فقط، على الرغم من أن هذا النوع من الإساءة هو الأكثر وضوحاً، إلا أن هناك إساءات أخرى ذات تأثير شديد وعميق، وهي عندما يُساء إلى الطفل نفسياً ومعنوياً، حيث يمتد تأثيرها السلبي على شخصية الطفل وكيانه لأعوام كثيرة حتى بعد بلوغه وانتقاله لمرحلة النضوج.

ونظراً لانتشار صور الإساءة النفسية للطفل في المجتمعات المختلفة، أصبح من الحكمة زيادة الوعي المجتمعي بأضرارها ومخاطرها، ومن الضروري معرفة طرق التعامل السليمة مع الضرر أياً كان نوعه، وللحديث أكثر حول هذا الموضوع بجوانبه المختلفة، التقت مجلة "صناع المستقبل" ممارس العلاج النفسي في مركز الكويت للصحة النفسية وعضو مكتب حماية الطفل بوزارة الصحة الأستاذة فاطمة أشكناني:

بدايةً، كيف يمكننا تعريف الإساءة النفسية للطفل؟ 
يمكننا تعريف مفهوم الإساءة النفسية على الطفل بأنها سلوك يقوم به أحد الوالدين أو أي شخص آخر مسؤول بإلحاق ضرر أو خطر على الأطفال دون السن الثامنة عشر،  وهو نمط متعمد أو غير متعمد سواء كان لفظياً أو سلوكياً، يُراد به تدمير تقدير الطفل لذاته، ويؤثر سلبياً على مراحله النمائية التي يمر بها وعلى صحته النفسية.

ومن أمثلة هذا النمط الرفض، العزل، التجاهل، والانسحاب، والإهانة، وتقييد حرياته وتحميله مسئوليات تفوق قدراته.

كما أن الصراعات الأسرية والتمييز والعنف المنزلي والحماية المفرطة للطفل هي أوجه أخرى للإساءة النفسية التي تؤدي إلى إعاقة تطوره الجسدي والعقلي والعاطفي والأخلاقي

 

ما هي درجة تأثير الإساءة النفسية على الطفل؟
الإساءة النفسية بجميع تصنيفاتها وأنواعها لها آثار مدمرة ومؤلمة على الطفل، لدرجة أن تأثيرها لا يُعتبر لحظياً فقط، وإنما يستمر لسنوات عديدة من حياته كشخص بالغ وناضج .

 

خلال بحثي وقراءتي حول موضوع الإساءة النفسية، اكتشفت أنها من أصعب أنواع الإساءة، برأيك ما هو السبب وراء ذلك ؟

صحيح، فالإساءة النفسية تعد أصعب أنواع الإساءة مقارنةً بالإساءة الجسدية، وذلك  لصعوبة رصدها وملاحظتها وتوثيقها، فعلى سبيل المثال لن  تكون هناك حالة في طوارئ المستشفى لطفل تعرض للإساءة اللفظية من أحد الوالدين!! بالمقابل سنجد هناك بعض الحالات التي تعرضت للإساءة الجسدية كالضرب المبرح وغيرها، كما أثبتت الدراسات

أن الإساءة النفسية هي ثالث أكثر أنواع الإساءة التي يتم تسجيلها بعد الإهمال والإساءة الجسدية، ورصدها أو ملاحظتها مرهون بسلوك الطفل الذي يُعتبر المؤشر الوحيد على تعرضه لها.

 

حدثينا قليلاً عن أنواع الإساءة النفسية؟

١- الرفض: وأعني فيه رفض الطفل كشخص، فيقوم أحد الوالدين بالابتعاد عنه بطريقة تُشعره أنه بلا قيمة وبلا فائدة والتقليل من أفكاره والاستهزاء بها، ومن أبسط الأمثلة على ذلك هو صد الكثير من الآباء والأمهات للطفل عندما يعبر عن مشاعره بطريقة جسدية، كأن يقوم بتقبيلهم أو حضنهم أو عند رغبته بالتحدث مع أحدهما ولكنهما دائمي الانشغال عنه بأمور الحياة المختلفة.

 

٢- النقد المستمر والسخرية: يؤسفني أن أقول بأن هذا النوع من الإساءة منتشر وسائد بشكل كبير في مجتمعاتنا، ومثال على ذلك هو توجيه كلمة أو عبارة للطفل من باب المزاح والضحك خصوصاً أمام باقي أفراد العائلة، جاهلين بذلك أثرها النفسي المدمر على شخصية الطفل وتقديره لذاته مستقبلاً .

 

٣- عدم تشجيع الطفل والثناء عليه: فالعديد من الأطفال يمتلكون موهبة أو هواية معينة كالرسم أو التمثيل أو الرياضة، ودورنا هنا كوالدين هو تقديم الدعم والتشجيع والثناء على ما يقومون به، وفي الكثير من الحالات يتغاضى الوالدين عن أهمية هذا الشي مما يؤدي في النهاية إلى توقف الطفل عن ممارسة هذه الموهبة أو الهواية والابتعاد عنها ودفنها .

 

٤- الحماية المفرطة: وهنا لا أقصد الحماية الطبيعية للطفل من الخطر، ولكن المبالغة في حمايته بصورة تعيق تطوره النمائي، ومثال على ذلك رفض بعض الأهل إشراك الطفل في نادي للسباحة خوفاً من تعرضه للغرق لا سمح الله .

 

٥- تعريض الطفل للصراعات الأسرية:  هناك بعض العوائل تمر بصراعات ومشاكل مستمرة قد تصل أحياناً إلى الاعتداء الجسدي أو اللفظي على أحد الوالدين، وللأسف في أغلب هذه الحالات يكون الطفل هو الشاهد الأول والأساسي على هذا العنف بسبب جهل الوالدين بمدى قوة تأثير ما يشهده الطفل خلال هذه الصراعات على نفسيته وحياته الاجتماعية والشخصية في المستقبل.

 

٦- التوقعات التي تفوق قدرات الطفل: كمثال، أطلب من الطفل القيام بمهمة معينة لا تتناسب مع عمره، كأن أطلب من طفل بعمر الثمان سنوات رعاية أخيه الصغير والانتباه له في المسبح  وفي حال تعرضه للغرق لا سمح الله، تقع الملامة على الطفل الأكبر ويُعتبر فاشل ولا يمكن الاعتماد عليه .

 

٧- تشجيع سلوكيات سلبية أو القبول بها : كأن يقوم أحد الوالدين بالابتسام أو الضحك أو التهاون في حال قيام الطفل بالتحدث بأسلوب وقح وغير مقبول مع أشخاص كبار في السن.

٨- عزل الطفل:  بمعنى عزله اجتماعياً وعدم إتاحة الفرصة له لتكوين الصداقات .

 

هل هناك أعراض أو مؤشرات يمكن أن تدل على تعرض الطفل للإساءة؟

هناك مؤشرات تكون عادةً واضحة لدى الأطفال الذين تعرضوا للإساءة النفسية، وأستطيع أن أحصرها بعدة أعراض وهي :

١- القلق والاكتئاب.

٢- التقدير الذاتي المنخفض للطفل.

٣- فقدانه للاهتمام بالأنشطة الاجتماعية وممارستها.

٤- الرغبة في إيذاء ذاته أو الآخرين

٥- البحث عن العطف من الآخرين.

٦- صعوبات في الدراسة.

٧- اضطرابات في الأكل.

٨- تصرفات متهورة أو متمردة.

٩- اضطرابات النوم.

١٠- developmental regression  أو ما نسميه بالنكوص مثل التبول الليلي الإرادي

 

هل الإساءة النفسية للطفل تكون من الوالدين فقط؟

أي شخص في حياة الطفل من الممكن أن يتسبب بالإساءة النفسية له، فليس بالضرورة أن يكون أحد الوالدين، أحيانا يكون أحد الأخوة أو الأجداد أو حتى المعلم في المدرسة والأصدقاء، وهنا يأتي دور الأم في أن تكون منتبهة وواعية لما يدور في عالم طفلها وتعرف كيف تتصرف عند ملاحظتها لبعض مؤشرات الإساءة النفسية.

 

ما هي العوامل الخطرة التي يمكن أن تؤدي للإساءة  في حال تواجدها بمحيط الطفل ؟

العوامل الخطرة التي يمكن أن تؤدي للإساءة النفسية على الطفل يمكنني اختصارها بـ :

١- عند وجود اضطراب جسدي أو عقلي في محيط الأسرة.

٢- استخدام المؤثرات العقلية :  فالشخص الذي يكون تحت تأثير هذه المواد يسهل استثارته و لا يمكن التنبأ بحدة ردات فعله.

٣- الضغوطات المادية داخل الأسرة.

٤- افتقار الوالدين للمهارات التربوية والأبوية وعدم الوعي بالمراحل النمائية التي يمر بها الطفل.

٥- المرور بضغوطات أسرية كفقدان أحد أفراد الأسرة.

٦ - الشعور بالغضب والاستياء من الطفل : كأن تقول الأم للطفل بأن الحمل به كان غير مخطط له ورغبتها بإجهاضه خلال فترة الحمل.

 

 

أثناء الحديث تكلمنا عن الآثار القصيرة المدى على الطفل، ماذا عن الآثار الطويلة المدى التي قد تنتج بسبب الإساءة النفسية للطفل ؟

قد تتداخل الآثار القصيرة المدى والطويلة المدى مع بعضها، كما أن لها الكثير من التصنيفات كالآثار الجسدية أو السلوكية أو النفسية أو العقلية، وسأحاول هنا أن أتطرق لها بإيجاز:

التقدير الذاتي المنخفض، الصعوبة في تكوين العلاقات أو المحافظة عليها، مفهوم الوالدين يكون مشوه ومغلوط كالمقولة التي يتم تداولها بكثرة في المجتمع : "في طفولتنا تعرضنا للضرب من والدينا، فضربنا لأبنائنا غير خاطئ وطبيعي" .

كما يعاني الطفل المُتعرض للإساءة من عدم القدرة على التكيف مع الضغوطات، ويكون قبوله للعنف طبيعي في علاقاته الشخصية ، وغالباً ما يتعمد الإساءة للغير ويعاني من الانسحاب الاجتماعي .

ومن الآثار المترتبة كذلك على الإساءة النفسية بعض الاضطرابات السلوكية كمحاولة إيذاء النفس أو الانتحار وقد يصل الأمر كذلك إلى مشاكل صحية بالقلب أو الرئة أو حتى الإصابة بالسرطان .

 

هل نستطيع أن نحمي أطفالنا من هذه الاثار؟

بالطبع يمكننا أن نحمي أبنائنا وأطفالنا من هذه الآثار، وذلك بزيادة الوعي بين أفراد المجتمع وتعريفهم بمفهوم الإساءة النفسية وخطورة ممارستها على الطفل وكيفية التعامل معها والحد منها.

 

 

في حال تعرض الطفل لهذه التجربة، هل يمكننا علاجه؟ وهل يستطيع تخطيها؟

مع وجود الدعم الأسري والعلاج النفسي يمكن للطفل أن يتخطى ذلك ويتأقلم ويتكيف مع التجارب السيئة التي مر بها، ففي النهاية هدفنا هو توفير بيئة آمنة سليمة مستقرة للأطفال ليتمتعوا بصحة نفسية طبيعية ويصبحوا أفراد مثمرين وإيجابيين في المجتمع .