في السنوات الأخيرة وصلت أسعار النفط مبالغ مرتفعة جداً، فأصبحت دول الخليج تفكر أكثر بالمشاريع التنموية، فقامت تقر الميزانيات الضخمة بما يتوافق مع طموحاتها التي تمثل مشاريع تنموية ضخمة. وقد صارت كل دول الخليج تقريباً تقدم التعليم الإلكتروني بالمدارس والجامعات، وهذا إدراكًا من هذه الدول بقيمة التعليم بنهضة ورقي الأمم. وغني عن القول عن أن التكنولوجيا هذه ليست برخيصة، ولحسن الحظ أن الحكومات تقدم الدعم المادي. غير أن الملاحظ يدرك أن بعض المشاريع المنفذة شابها بعض الأخطاء الجزئية وبعضها أخطاء كلية تنسفه، ولا يتنافى هذا مع الإخلاص. لكن الأمر قد يكون الأمر بسبب دراسة المشروع لكن بشكل غير وافي. وفي أحوال أخرى لا ينفذ المشروع ويرجع المرصود للمشروع للميزانية. ومن الأمور المهمة بتقوية المشاريع هي الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة بنفس المشاريع، إذ لها باع طويل بتخطيط وتنفيذ المشاريع الضخمة. الجميل بالأمر أن الدول المتقدمة تعرض تجاربها للعلن مجانًا عن طريق مواقعها. ويكون ذلك بالخطط والتقارير والدراسات والنتائج. مع التنبيه أن الاستفادة تكون بخطوات تنفيذ المشروع وليس بنسخ المشروع، إذ شتان بين الأمرين. لذا يهدف هذا المقال بعرض خطوات تجربة المملكة المتحدة بتطبيق نظام التعليم الإلكتروني بالجامعات. والهدف من اختيار عرض تجربة المملكة المتحدة هو أنها تعتبر من الدول المتقدمة والمتطورة عالميا، وأغلب جامعاتها عريقة، وبعضها منافس عالمي مرموق. وبشكل خاص، التجربة التي يهدف المقال لعرض خطواتها، تعتبر تجربة ناجحة، إذ آتت ثمارها بكل المملكة المتحدة، وزادت من تقدم الجامعات بالمملكة المتحدة. إذاً هي تجربة تستحق الدراسة. الفقرات التالية ستتناول عرض اللجنة المشتركة لنظم المعلومات، وخطوات تنفيذ مشروع التعليم الالكتروني بالمملكة المتحدة، والهدف من عرض خطوات هذه التجربة للاستفادة منها في دول الخليج بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام. اللجنة المشتركة لنظم المعلومات Joint Information Systems Committee - JISC أنشئت هذه اللجنة عام 1993 وهدفها تخطيط وتنظيم وتنفيذ المشاريع الخاصة بتكنولوجيا المعلومات على مستوى المملكة المتحدة. وذلك لتطور وتقدم التعليم بالمملكة المتحدة على مستوى المنافسة العالمية. الجدير بالذكر أنه خلال العقد الماضي نفذت اللجنة أكثر من 1000 مشروع تعليمي مع حوالي 200 جامعة بريطانية. لذلك المنظمة تدعو العلماء والمنظمات المهتمة لتقديم نظراتهم وخططهم ومقترحاتهم التي تهدف لتطور وتقدم التعليم بالمملكة المتحدة وفي حال فوز أحد الاقتراحات فإن اللجنة تتعهد بتمويله وتنفيذه وذلك بمشاركة أعضاء مجلس إدارتها المكون من جامعات وهيئات وشركات خاصة وحكومية بريطانية. والجدير بالذكر أن اللجنة بسنة 2012 حققت رؤيتها والتي كانت بتطبيق التعليم الإلكتروني ومن ثم قدمت رؤيتها الجديدة والتي تمتد لسنة 2016 وتهدف هذه الرؤية الجديدة لتقديم تعليم رقمي متقدم منافس عالمياً. مشروع التحول للتعليم الإلكتروني ((2008-2012 انطلق مشروع التحول للتعليم الإلكتروني بعام ((2008 بمشاركة خمس عشرة جامعة من جميع أنحاء المملكة المتحدة. والهدف من هذا العدد من الجامعات هو لكي ينجح ويُعمم هذا المشروع بكل أنحاء المملكة المتحدة. المشروع يهدف لتحسين مخرجات التعليم الجامعي وذلك عن طريق تزويد المتعلمين بالمهارات التكنولوجية والعقلية اللازمة للوظائف المختلفة بميادين العمل بالقطاع العام والخاص. بنفس الوقت جعل التعليم مرنًا مع كلاً من الأساتذة والمتعلمين. فكرة المشروع قامت على تقديم المقررات الدراسية الكترونيا عن طريق عرضها وتقديمها والتفاعل معها عن طريق بيئات التعليم الافتراضية، كبرنامج موودل (Moodle) أو بلاك بورد (Blackboard). ولا يعني هذا مجرد نقلها كما هي من الورق إلى بيئة التعلم الافتراضية، وإنما إعادة دراستها فالمناسب يبقى وغير المناسب يستبدل. كذلك يهدف المشروع لتقديم تعليم ثري للمتعلم بحيث يناسبه ويرفع من مستواه عن طريق تعديد الوسائل التكنولوجية. الجميل بالمشروع أنه كان مقسم على خمس عشرة جامعة، أي خمسة عشرة مشروع، ولكل مشروع موقع الكتروني عُرض به أهدافه وغاياته ومراحله. كما أن كل المشاربع تهدف لغاية واحدة وهي تعليم يتسق مع حاجات سوق العمل ويتميز بالمرونة للآساتذة والمتعلمين بوسائل تكنولوجية حديثة. من الأمور المهمة بتنفيذ المشروع أخذ آراء جميع أصحاب الشأن بعملية التعليم الجامعي. لذلك كان هنالك تواصل مع القطاع الخاص والعام لمعرفة نوعية وكمية المهارات التكنولوجيا والعقلية اللازمة لشغل الوظائف بعد التخرج. كذلك الأساتذة كان هنالك تواصل معهم وذلك لمعرفة المواضيع والمناهج وطرق التدريس المناسبة للتخصصات المختلفة. كذلك أخذ انطباعاتهم عن التجربة نفسها. والمتعلمين أنفسهم كان هنالك تواصل معهم لفهمهم ولمعرفة انطباعاتهم عن هذه التجربة، وما يحبونه ويكرهونه بهذا المشاريع. بالاضافة إلى أن هنالك فريق اختصاصي مهمته فقط القيام بعملية تحويل المحتوى التعليمي إلى الالكتروني. من مميزات المشروع أنه كان هنالك مرحلة تجريبية للمشروع وذلك لتلافي أي أخطاء قد تطرأ على المشروع. يردف هذا اجتماعات دورية وورش عمل للتناقش بالأمور الطارئة على المشروع والاستفادة من خبرات الفرق المنفذة للمشروع بكل الجامعات. وفترة تجريب المشروع مهمة جدًا إذ أنها تمكن من التعديل عليه ومن ثم تكون نتائجه رصينة. ركزت تقارير المشروع على دور الإدارة العليا بالجامعات ومدى اقتناعها بالمشروع وأثر ذلك على نجاح المشروع. إذ سُجلت بعض مشاريع الجامعات نجاح باهراً وبعضها نجاح جيد. وأُرجعت الأسباب لبعض المشاكل الإدارية التي تتعارض مع المشروع، فالإدارات المقتنعة بالمشروع تذلل هذه المشاكل بسرعة بين بعضها الآخر يتأخر قليلاً. استمر عمل المشروع لأربع سنوات وتم تحويل مقررات كثيرة الكترونيا، وكان دائما هنالك أعمال تطويرية للمشروع إلى أن تم استخلاص نموذج تعليمي من يتبع خطواته بالمملكة المتحدة باستطاعته تحويل التعليم من التقليدي إلى التعليم الالكتروني المرن. لم ينتهي هذا الآمر عند هذا الحد بل تم اخضاع النموذج المستخلص لعلماء ومهتمين لم يسبق لهم المشاركة بالمشروع لتحكيمه وتقويمه، لكي يتصف بالرصانة العلمية. بعد ذلك تم نشر هذا النموذج مع ما تم تحقيقه من تعليم الكتروني للمهتمين جميعًا. ختامًا المقال يدعو المهتمين ومتخذي القرار بدولنا لتنسيق الجهود بين المنظمات المختلفة بالدولة نفسها، لأنه من أسباب الاخفاقات بدولنا هي تضارب المسؤليات بين المنظمات. كذلك ضرورة إشراك وأخذ أراء أصحاب الشأن بالمشروع، إذ هم من يباشر المشروع ويعرفون خفايا وخبايا الميدان. كذلك إشراك وأخذ أراء القطاعات الخارجية المتصلة بالمشروع سواءً بالقطاع العام أو الخاص. ومن الأمور المهمة أيضاً التنبيه على فلسفة المشاريع الجديدة والتي تقوم على عدم تقديم المناهج القديمة بإطار جديد، وإنما تقديم المجديد شكلاً ومضموناً. وأخيراً، من المهم جداً تعيين مرحلة تجريبية للمشروع وقتياً كافية، وتمثيلاً للبيئة الحقيقية للواقع، لما له آثار عميقة على نجاح المشروع. د. يوسف هادي العنزي
|