يقولون التاريخ يعيد نفسه، وفعلا فمن نصف القرن الماضي كان اللؤلؤ الأبيض هو التجارة الرابحة، فلذلك كان سكان الخليج، ومنهم الكويتيون، يبحرون لمدة أشهر للبحث عن اللؤلؤ ومن ثم بيعه للتجار، وكان يصدر للعالم، ومنه أوروبا، حيث يستخدمونه بالساعات الثمينة، لكن ما إن ظهر اللؤلؤ الصناعي الياباني ضُربت تجارة اللؤلؤ الحقيقي فأصبحت جدواه المالية ضعيفة جداً مقابل المتاعب والمشاق التي يعانيها البحارة للحصول عليه فتركوا هذه التجارة. ومما ساهم أيضاً في ترك هذه التجارة هو اكتشاف النفط بدول الخليج، التي لم تكن تعرف كيف تتعامل معه، لذا أعطت الامتيازات للشركات الأجنبية، فكانت تحفر وتنقب وتبيع وتعطي دول الخليج النسبة المتفق عليها، مع تدريب العمالة الوطنية ومع السنوات والانتاجية وتدريب الكوادر الوطنية أصبحت إدارة النفط وطنية بالكامل. صاحب فترة طفرة النفط عدد من الملامح أبرزها رفاهية شعوب الخليج مقارنة بحياتهم قبل النفط، فمثلا بُنيت البيوت المكيفة وكثر استقدام الخدم من آسيا وغيرها، حتى صار الخدم أكثر من اهل بعض البيوت، وكذلك كثرت البطالة المقنعة. ومقابل هذا يسافر سنوياً أكثر من مرة، ويركب أفخر السيارات غير أنه لا يملك بيتاً، وفي ظني أن هذا من الاختلاف بالأولويات لدى المواطن نفسه، وهذا لا يعفي الحكومات من التقصير إذ انها هي التي تدير البلاد. استمرت هذه الفترة حوالي ستين سنة، ولكن الملاحظ في الأشهر الأخيرة ازدياد حفريات النفط الصخري الأميركي، وتأثرت سوق النفط سلباً حتى سجلت أغلب دول الخليج عجوزات متفاوتة بميزانياتها، واضطر جزء من هذه الحكومات إلى إصدار سندات لسد هذا العجز، وكل هذه العلاجات في ظني ترقيعية آنية، لأن أياً من هذه العلاجات لم يغير قناعات الناس بترشيد مصروفاتهم الترفيهية. كذلك لم تستهدف تغيير قناعاتهم من العمل بنشاطات غير العمل الحكومي إلى ميادين أخرى كالمشاريع الصغيرة والعمل بالقطاع الخاص، بمعنى آخر لم تُصنع قوة وطنية ذات انتاجية متميزة، تنوع مصادر الدخل الوطني والقومي، على سبيل المثال ماليزيا أصبحت من الدول الرائدة بزيت النخيل، وبفضل الإدارة الرشيدة انتقلت هذه الصناعة من اليدوية إلى التكنولوجية وأصبحت تدر كثيراً من الأرباح للاقتصاد الماليزي، وطورت حتى تم تأسيس بورصة زيت النخيل الماليزية ويستطيع المستثمر أن يشتري ويبيع من أي مكان في العالم. لذلك يقولون في المثل الشعبي «ما تسلم الجرة كل مرة»، لذلك سلمت من ضربة اللؤلؤ الياباني بفضل النفط، لكن هل تسلم من ضربة اللؤلؤ الأسود الأميركي، حتى باتت بورصات دول الخليج تئن من هذا الحفر، وتمنى بخسائر فادحة مؤخراً بسبب عزم دخول منافس تكنولوجي متطور لسوقهم.
للمزيد: https://alqabas.com/article/404901