يُعتبر الشباب من أكثر أعداد السكان في دول منطقة الخليج العربي، وهي من أغنى الدول في العالم وتنفق على التعليم ميزانيات ضخمة لتحسينه وتطويره وجعله مواكبا لحاجات أسواق العمل نوعياً. غير أن الملاحظ أن المشاريع التعليمية الضخمة تكون لها تغطية إعلامية كبيرة، ولكن على مستوى التنفيذ التفصيلي يشوبها عدد من القضايا الشائكة. ويهدف هذا المقال لمناقشة إلى أي مدى تأخذ مشاريع التعليم العالي الحسبان لأثر الثورة الرقمية التي يطلق عليها الثورة الصناعية الرابعة التي بدأت تغير ملامح الاقتصاد العالمي بما فيها منطقة شبه الجزيرة العربية. مؤخراً اختار منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس عنوان الثورة الصناعية الرابعة لندوته الدورية، والمقصود بها الثورة الرقمية، ووضع تنبؤات كثيرة لما ستكون عليه الحياة في المستقبل القريب.إذ إن الثورة الرقمية غزت كثيرا من ملامح حياة البشر في عالمنا اليوم. فعلى سبيل المثال، أصبح لدينا مفهوم البيوت الذكية؛ أي أنها تشتغل بناء على الذكاء الاصطناعي. فلم يعد يحتاج ساكنو البيوت إلى إطفاء الأنوار نهاراً وتشغيلها ليلاً، وإنما أصبح هنالك حساسات رقمية تعطي أوامر لتشغيل الإضاءة ليلا عندما تصل العتمة درجة معينة، وتنطفئ لوحدها عندما يصل نور الشمس درجة معينة. كذلك على مستوى المعاملات الإدارية، فعلى سبيل المثال استبدال الموظف بائع الطوابع بجهاز بيع الطوابع وبذلك تتم عملية بيع الطوابع بأمانة كاملة ولم يعد أحد يستطيع السرقة أو التلاعب بأموال الطوابع. إذن التطبيقات الرقمية والذكاء الاصطناعي بدأا ينتشران في حياة الناس. كذلك بالنسبة لتوريد وتصدير المعاملات وتوقيعها كل هذه العمليات بدأت تنتقل من البشر إلى الأجهزة الذكية، وهو ما يعرف بالأتمتة الرقمية للمعاملات الإدارية. لذا فالتطور الرقمي والحاسوبي بدأ يزحف على كثير من الوظائف البشرية. ولهذا الغزو والانتشار أثر في حياة الناس، وإن كان زاد من راحتهم ورفاهيتهم، إلا أنه أثر في وظائفهم، إذ فقد بائع الطوابع وظيفته، وموظف الصادر والوارد لم يعد له دور بعد اليوم بسبب الكمبيوتر. لذا لم تعد سوق العمل بحاجة إلى موظفين يقومون بهذه الأعمال الروتينية البسيطة التي قامت بها الأجهزة الذكية وبكفاءة رقمية عالية جداً، وسعر في متناول الحكومات. إذن مستقبل وظائف البشر مهدد من قبل هذه الأجهزة الرقمية. لذا المطلوب الآن مراجعة برامج التعليم العالي بشكل شامل. فلم يعد تلقين المنهج «المعلب» يجدي نفعا في منطقة الخليج العربي بما فيها الكويت، لا سيما بعد وجود عدد كبير من الدراسات الميدانية التي تؤكد وجود خلل كبير في نظم التعليم الحالية. لذا في هذا العصر وهذه الثورة الرقمية الضخمة المطلوب تعليم طرق التفكير النقدي والإبداعي لتعقد هذا العصر وتداخله وسرعته، فلم تعد الحياة ثابتة لوقت طويل، وإنما الوتيرة زادت أضعافا مضاعفة، حتى بتنا لم نعد نلحق تدفق المعلومات وتطور المهارات. إن تعليم مهارات التعليم المستمر مطلوب بقوة لأن ما يتعلمه الطالب اليوم قد ينتهي بعد يومين أو ثلاثة لسرعة التطور والتغير في هذا الكون المتداخل، فمهارات التعليم المستمر تمكنه من مواكبة هذا التطور المتنامي. كذلك مهارات التواصل الفعال الشخصي والحضاري والعولمي لأن العالم أصبح قرية صغيرة والتنافس فيها موجود بقوة، وأخيرا من أقوى أسباب نجاح دول الخليج للدخول في منافسة عالمية هو استخدام ثقافتها الفريدة، فمثلا لبس الثوب العربي (الدشداشة والغترة والعقال) وتقديم القهوة والتمر لصيني أو أميركي يعد أمرا في غاية النبل والكرم، وهذا ما يميز الثقافة العربية، فتوظيفها فيما يخدم مشاريعنا أمر طيب محمود وفريد ومؤثر، مع الانتباه والثبات على مصالحنا، ومعاملتهم بعقلية العالم المعاصر المبني على المصالح المشتركة الواضحة المضمونة، لا بالصورة الذهنية النمطية للعقلية العربية. د. يوسف هادي العنزي محرر القبس الإلكتروني للمزيد: https://alqabas.com/article/414660
|