مما لا شك فيه أن الحديث عن الريادة (أو كما تسمى القيادة في بعض المصادر) طويل ومتشعب لاعتباره أحد أهم مواضيع الإدارة الحديثة والتقليدية على حد سواء، فقد كُتب في هذا الموضوع الكثير من الكتب والمقالات، فهناك عزيزي القارئ الكثير لتقرأه في هذه المجال، كما تناوله قدماء الإغريق والمصريين والصينيين وقد حددوا بعض الخصائص الرئيسية التي يمتلكها الرواد من أهمها حرص القائد الناجح على أن يشعر تابعوه أن النجاح إذا ما تحقق فإنه نتيجة لعملهم ومجهودهم، فالقائد يملك تشجيعهم وتحفيزهم أما العمل والاجتهاد فهو نابع من هؤلاء التابعون.
سواء كنت قائداً لفريق صغير أو لمنظمة كاملة فالأمر ذو تحدٍ كبير في كلتا الحالتين. فالمطلوب منك ليس فقط أن تدير الأدوار والمسؤوليات بل أيضاً أن تحفز تابعيك وتشجعهم إلى جانب تطوير ذواتهم. ففي الريادة الناجحة يتم التركيز دائماً على نقاط القوة لدى الأفراد وليس على نقاط الضعف، فالسر يكمن في التوفيق بين نقاط القوة هذه وبين المسؤولية المناطة بكل فرد.
في هذا المقال المتواضع نترك بين ايديك أيها القارئ الكريم، أهم النصائح التي جاءت في بعض أهم كتب الريادة التي كتبت في التاريخ المعاصرلنتمكن جميعاً من أن نتعلم أكثر في وقت أقصر.
· حدد الهدف بوضوح ثم اترك لتابعيك حرية اختيار السبيل لتحقيقه
لُقب ستيف جوبز بالطاغية! لا تريد عزيزي القارئ أن يلقبك أحد بذلك، فقد بينت الدراسات الحديثة أن القائد الناجح لا يدير فريقه بقبضة من حديد بل العكس!. في المنظمات الناجحة يتم اختيار المتقدمون لشغل الوظائف الشاغرة بعناية فائقة ووفق معايير صارمة، إذاً من المنطقي أن فريقك مكون من نخبة من الموظفين، لذلك اترك حرية اختيار طريقة التنفيذ لفريقك فقد حان الوقت لتثق بهم. وهو ما جاء في كتاب ديفيد ماركيت الذي قدم لنا فيه (نظام القائد-القائد) الذي يقوم على تعزيز ثقة الأفراد لقيوموا بأداء عملهم وفقاً لخبرتهم، فهذه هي النصيحة الأولى.
· ابدأ الخطوة الجريئة واتخذ القرار
أما النصيحة الثانية فهي أن تمتلك الشجاعة وتتخذ القرار الحاسم. فقد وجدت الدراسات أن المنظمات ذات الأداء المتميز هي منظمات تركز 100% على التنفيذ. فأنت تريد أن بيئة عمل قادرة على تمكين الأفراد من تحقيق النتائج، والسبيل إلى ذلك هو أن تكون أنت مثالاً يحتذى به في استغلال كافة الموارد المتاحة الاستغلال الأمثل وهو ما جاء في كتاب ديفيد ألن.
· كن قائداً بقيم سامية
لتترك أقصى إنطباع إيجابي لدى فريقك، لابد أن يروك مثالاً حياً للقيم السامية التي يمكن أن يتحلى بها أي قائد، فذلك من أهم مصادر الإلهام التي ممكن أن تمنحها لتابعيك. ففي كتاب تشارلز دوهيك، سرد الكاتب أروع مثال في هذا السياق، ففي ثمانينات القرن الماضي تحولت شركة "ألكوا" من شركة تصارع للبقاء إلى شركة رابحة بفضل المدير التنفيذي الجديد "بول أونيل" الذي أعلن عن مبادئه بوضوح وعلانية من اليوم الأول من توليه لمنصبه، فقد أعلن بأن بيئة العمل الآمنة هي من أولى أولوياته وحرص أن تكون حوادث العمل في أدنى مستوياتها.
· اسعى جاهداً لريادة ذات المستوى الخامس
مفهوم الريادة ذات المستوى الخامس باختصار ينص على " تحقيق نتائج فائقة تحت ظل قائد متواضع". فقد وضح جيم كولنزفي كتابه، أن القائد في هذه المستوى عضو فعال في الفريق إلى جانب كونه مديراً، وهو القائد الذي يمثل الذهن التواق الذي يمثل المنظمة ويتمنى لها الأفضل حتى لو لم يكن جزءاً منها. دارون سميث كان مثالاً جلياً على ذلك، فهو من حول شركة كيمبرلي كلارك إلى أحد اكبر الشركات في صناعة الورق الاستهلاكي والذي يرفض أن يوصف بالرجل الخارق أو أن ينسب النجاح له.
· إذا كنت مرغماً على إنهاء خدمات أحد الموظفين فافعل ذلك بشكل صحيح
تتغير بيئة أعمال المنظمة بشكل كبير ومستمر، فمن يعتبر موظفاً مثالياً بالأمس قد يشكل عبئاً على المنظمة اليوم. لذلك فمن واجبك أيها القائد أن تتخذ القرار الحاسم بفصل من يكون على مثل هذه المواصفات وبدون مجاملات على حساب المنظمة، ولكن من المهم أن تقوم بذلك بشكل صحيح أي بشكل سريع دون مماطلة وبعدالة وبكرم إن أمكن حتى تحافظ على صورة المنظمة من التهكم. لكن تذكر أن إنهاء خدمات الموظفين ليس دائماً الحل الأنسب لمشاكلك، وهو ما قامت به شركة هاولت باكرد في سبعينيات القرن الماضي أثناء الركود الاقتصادي الذي شهده الاقتصاد آنذاك، فبدلاً من إنهاء خدمات موظفيها قامت الشركة بتخفيض رواتبهم بما يعادل 10%، وهو ما يفسر لنا سبب وصف 18 من أصل 20 مدير تنفيذي في الشركة من وصفها بشركة مهتمة بكوادرها البشرية بالمقام الأول كما جاء في كتاب توماس بيترزوروبرت ووترمان.
· امنح الأمان لفريقك
القائد الناجح يخلق بيئة آمنة يكون أعضاء الفريق فيها قادرين على الإفصاح عن جميع الأخبار والمعلومات حتى السيء منها دون تردد أو خوف من العواقب. يكون ذلك ممكناً عندما يكون القائد نفسه صريحاً مع فريقه عن أخطائه ويتحمل مسؤوليتها أمامهم. ومن أمثلة ذلك شركة أمازون وغوغل كما حددها الكاتب براد ستون في كتابه.
· كن مرناً وابن مستقبلاً قابلاً للتعديل
التخطيط المسبق أحد صفات الريادة الناجحة، فجميع المنظمات تحتاج أن تحدد مسارها المستقبلي وبشكل واضح خطوة بخطوة حتى تحقق أهدافها المرجوة ، ولكن تتسم بيئة الأعمال اليوم بعدم الاستقرار وبصعوبة التكهن بالمستقبل لذلك لابد من رسم سياسات وخطط مستقبلية قابلة للتعديل إن لزم الأمر.
أ. رهام الحساوي
عضو هيئة تدريب
بالمعهد العالي للخدمات الإدارية