إن انتشار العصبيات القبلية يتزامن مع شيوع المذهبية واستفحال الطبقية وانقسام المجتمع، وضمور هيبة الدولة. عندما تظهر شعارات شبابية في مؤسسات مدنية تنادي أبناء قبيلة محددة لتوسيع دائرة «مكتسباتها»، وتوجيه أتباعها، فهنا ندرك حجم الأخطار المقبلة والمتغلغلة مجتمعياً.
غني عن البيان أن القبائل والمذاهب والعوائل والطوائف والأعراق، باختلاف أطيافها، من مكونات النسيج المجتمعي الداعم لسياج الوحدة الوطنية، ولكن الإشكال في الشحن العاطفي القائم على التعصب لفئة محددة. والمفارقة هي العيش في مجتمع عصري وفق منطق عنصري.
هذا المرض يهدد مؤسسات التعليم ــ من حين لآخر ــ وفي ذلك دلالة على وهن رهيب يهدد الوسط الطلابي. إن المساس بسيادة وهيبة الدولة، والتطاول على الثوابت المدنية الراسخة، يؤديان إلى تقويض أركان الأمن المجتمعي. يستاء المجتمع بأكمله وينصدم عندما يشاهد في وسائل الاعلام إعلانات مريبة لبعض شبابنا، ينشرون إعلانات طلابية تحركها الأفكار القبلية. تستنكر الأوساط الأكاديمية تلك الممارسات الخاطئة، ويتعين علينا أن نأخذ بأيدي الناشئة نحو استخدام حرية العمل النقابي لساحات العمل الحاضن للوحدة المؤدية إلى نفع المصلحة العامة، كي نضمن حسن استخدام المفاهيم الديموقراطية في بناء نهضة الدولة.
إن قيام مجاميع من الطلبة بنشر إعلانات تؤصل العصبية القبلية أمر مرفوض تماماً، ولكن ما الجهات التي تغذي هذا الفعل وتساعد في انتشاره؟ من المؤكد أن سلوكيات الكبار السلبية، ونقص فرص العدالة، واستغلال وشائج القرابة على نحو خاطئ، وغياب الروادع، وضعف الاعلام التنويري من العوامل، التي ساهمت في شيوع الممارسات المغلوطة، والتصورات المنحرفة. إن حرية التعبير مكفولة للجميع، وهذا أصل أصيل في البناء السياسي، ولكنه لا يعني التساهل مع دعوات ترسخ خطابات التفرقة.
تعكس الأوساط الطلابية ملامح مستقبل البلد من جهة، وتعكس لنا ما تعلّمه الصغار من الكبار من جهة أخرى. في ضوء هذه القاعدة يمكننا قراءة وتحليل أوضاعنا ورسم آليات الإصلاح المجتمعي، وتطوير الوعي الطلابي. من المؤكد أن مؤسسات التعليم بجميع أدواتها المدنية ــ على المستوى العربي عموماً ــ فشلت فشلاً ذريعاً في القضاء على جذور هذه العقلية، ولن تستطيع معالجة هذا الجانب إلا بنشر الوعي المدني، ونبذ التعصب القبلي وتجريمه وتوجيه الشباب نحو التخلي عن «الفزعات» الهدامة لأنها تعيق المجتمع، وتمنع تقدمه. لا بد من تجفيف فكر التعصب القبلي والحزبي والطائفي وقطع الامدادات المؤدية إلى تفكيك أوصال الدولة عبر تسليط الضوء على التجارب، التي خاضتها وتخوضها الدول الممزقة، ولا بد من التدبر في عواقبها وتحليل دروسها السياسية القاسية.
تحتاج الأوساط الطلابية بصفة دائمة إلى حس مدني مرهف لمعالجة العلل التي تجتاحها. ويتعين استغلال المعطيات الديموقراطية في عملية ترسيخ قيم الحرية والمساواة والوطنية، فالإيمان بالحريات لا يسوغ لأحد أياً كان أن يروج لإعلانات وممارسات مشبوهة تؤجج الفتنة.
إن التعصب القبلي من المتاهات الطلابية المشوهة للفكر والعاطفة والسلوك، لأنها تشل حركة تحقيق الأهداف التربوية. التربية المتزنة أداة لتحرير المجتمع من جميع العادات المصادمة لمبادئ التعايش الإنساني الكريم.