منذ اختراع الانترنت قبل أقل من خمسين سنة تقريباً، وهذا الاكتشاف الفذ يتقدم ويتوسع على نحو خارق أربك الحسابات. تجد الحكومات والشركات ومؤسسات التنشئة صعوبة بالغة في تقليص الآثار السلبية لهذا الاختراع المفيد والمخيف.تجدر الإشارة إلى أن أكثر من ثلاثة مليارات شخص يستخدمون شبكات الإنترنت طلبا للمعلومات، والتماسا للتواصل الاجتماعي، والترفيه. ولقد ساهمت التقنية المعلوماتية في تحسين الخدمات الصحية والتعليمية وتشكيل ثقافة عالمية جديدة. وأمام ذلك التقدم المطرد لا توجد في الوقت الراهن آليات اجتماعية كافية لحماية الناشئة وغيرهم من الافرازات السلبية لتلك التقنيات المتقدمة والمتداولة. لقد تم استخدام الشبكات الالكترونية وشاشاتها لإنعاش العقول ببث العلوم، وفي اللحظة نفسها تم استخدامها على نطاق واسع لنشر الذعر عبر توظيف التقنية في زيادة لهيب الإرهاب، كما استغلت في أغراض الغش التجاري. وهكذا امتزجت التكنولوجيا الحديثة مع معظم ثقافات الشعوب، وأضحت منافعها وغوائلها حديث الساعة.وتجد الأسرة نفسها في وضع محير، فلقد غدت شاشات الهواتف النقالة تتسلل إلى كل الغرف وأحيانا تلاصق وسادة النوم! فهل منع الهواتف النقالة عملية مجدية أم المطلوب استحداث قوانين جديدة للحد من الآثار الناجمة من سوء استخدام تقنية المعلومات؟ تطرّق كاتبان من روسيا إلى هذا الأمر، ولهما رؤية موجهة إلى الناشئة أساسها تكريس روح القيم الأخلاقية الخالدة عن طريق تسليط الضوء على الممارسات الإيجابية في التعامل مع الانترنت. في نهاية كتابهما «تاريخ الثقافة العالمية»، يشير كل من دينيس تشيكالوف وفلاديمير كوندراشوف إلى ضرورة الابتعاد عن التركيز على السياسات المادية، فالمهم في مسائل التنشئة ليس زيادة المنع والقيود، وحظر كل ما هو سيئ؛ لأن القيود غالبا تزيد من جاذبية المحظور.إن الاعتماد على مبدأ المنع ـــــ رغم وجاهته ـــــ سياسة غير مجدية عمليا. البديل الصحيح لمواجهة سلبيات الشاشات الجديدة هو اظهار ميزات كل ما هو جيد ونافع، وتشجيع الجيل الجديد على التقيد بالقيم الأخلاقية الإنسانية الرفيعة لمجاوزة العقبات. إن ثورة تكنولوجيا المعلومات تشوّش الفكر، وتهدّد سعادة الانسان فهي بمنزلة النار التي تحرق وتدمّر بشكل تام ليس الشخص نفسه فحسب، وإنما عالمه كله أيضا استنادا إلى كتاب «تاريخ الثقافة العالمية»، ولكن في الوقت نفسه عند استخدامها بشكل مناسب تكون التقنية الجديدة قادرة على تحسين حياة الناس جميعهم. المهتمون بمسيرة التقنية المعلوماتية يشجعون السلوك المنضبط لاستخدام المعلومات ويحذرون من مخاطر حتمية تواجه العالم إذا لم يستطع الإنسان السيطرة على التقنية المتنامية.من نافلة القول ان التربية التقليدية عاجزة اليوم عن مواكبة التقدم التقني السريع، وعليها الاستفادة الحذرة من الانترنت عن طريق التركيز على تعزيز القيم الأخلاقية التي تسمو بالإنسانية والمثل العليا، مع التركيز على أن الحريات لا قيمة لها بلا تحمل للمسؤوليات. يتوقّف مستقبل البشرية في نهاية المطاف على البشرية نفسها، واختياراتنا الشخصية. هكذا يقرر عدد من الخبراء والمعنيين بالتنبؤ بسيناريوهات المستقبل