جمعتني البرامج الإذاعية بعدد من الإعلاميين الأكارم، ومنهم المحامية الفاضلة الإعلامية اللامعة بشرى الهندال. وفي برنامجَي «من أروقة المحاكم» و«محطات تلفزيونية»، ناقشنا قبل أيام الثقافة القانونية لدى طلبة الكليات الجامعية، مع تسليط الضوء، تحديداً على اللوائح الإدارية التي تمس الطالبات في كلية التربية الأساسية. إن مثل هذه البرامج الإعلامية ركائز فكرية تقدّم للطلبة وأولياء الأمور والجمهور الكريم معلومات تنير مسيرتهم، وتجنّبهم كثيراً من العثرات، فإن معرفة الواجبات والحقوق لبنة جوهرية في المنظومة المجتمعية. ولعل من أكثر القضايا إثارة قضية الغش في الاختبارات والجهل بالعقوبات المتعلّقة بالرسوب والحرمان من الدراسة لفصل دراسي. وبما أننا في عصر التواصل الرقمي، فإن الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة يجب أن تخضع للقيود القانونية المعزّزة بممارسة قيم النزاهة العلمية.
والحديث عن روح القوانين من الحساسية بمكان، وقد يصل الأمر بالبعض إلى استخدام مراوغات اجتماعية ومخالفات إدارية، من أجل الحصول على راحة طبية من دون وجه حق لمجرد إعادة اختبار. إن فكرة التحايل على القوانين من أخطر الأمور من الزاويتين التربوية والقانونية معاً.
واستناداً إلى الخبرة الإنسانية التراكمية، فإن القصد من سن القوانين وتطبيقها ضبط السلوكيات للحفاظ على مصالح الجميع، وتوجيه الأفراد والمؤسسات نحو مراعاة القيم التي تصون كرامتهم، وتوصلهم إلى غاياتهم. ولا ريب في أن نقاط الالتقاء بين القانون والتربية مثيرة ومتداخلة، ولا يمكن الاستغناء عنها. نجحت البشرية عبر سن القوانين في جعل التعليم حقّاً أصيلاً لكل مواطن، بعد أن كان امتيازاً لفئة ارستقراطية تنتفع منه، وتوظفه لخدمة مصالحها الخاصة فقط. وقولهم ارستقراطية العلم قصر حق طلب العلم والتمتع بمزاياه على أصحاب المال والسلطة والجاه. المتتبع لحركة التاريخ يجد أن الدين الإسلامي عبر تعاليمه العامة كسر فكرة احتكار العلم على الطبقة العليا في المجتمع، وفتح المجال؛ ليصبح الناس في طلب العلم سواءً، ومنع كتمان العلم. الراسخون في العلم في حضارتنا الإسلامية من عدة أعراق، وكثير منهم من الفقراء وغير المسلمين.
إن المبدأ الإنساني الأعلى هو تحرير البشر من العوائق التي تمنع تحصيلهم العلمي إلى أبعد نقطة يمكن الوصول إليها، وفق طاقاتهم وإمكاناتهم من جهة، والظروف المجتمعية المتاحة، من جهة أخرى. ومن هنا، فإن فرص طلب العلم يجب أن تكون متاحة ومتكافئة من دون النظر إلى الطبقة الاقتصادية أو الدين أو الجنس أو اللون أو الجنسية أو الإعاقات البدنية وغيرها. وخلال القرون الماضية وعبر موجات وموجات تطالب بالحريات العامة، جاء الفكر الغربي ـــــ وغيره بطبيعة الحال ــــ وبلور مبدأ سن القوانين المدنية المنبثقة من حق التعليم للفقراء ولذوي الاحتياجات الخاصة وللإناث والمنكوبين. وهكذا، فإن التعليم حق right من الحقوق، وليس امتيازاً Privilege.
إن تهميش تعليم أي فئة أو فرد هو انتهاك للحقوق الإنسانية في منظومة التربية الدولية. لا يمكن النهوض بالمجتمع إلا بالالتزام بروح القوانين، ومن صميم دور التربية هو إيجاد البواعث الصحيحة لتطبيق النظام على نحو حضاري.