من غير تخطيط مسبق وجدت نفسي واقفة أمام تظاهرة حاشدة في قلب السنتاجما في أثينا، وذلك في أول ساعة وصلت فيها إلى اليونان قبل أن أدخل فندق الملك جورج. كان مبنى البرلمان شامخاً منيراً بالأضواء الخافتة، تمر أمامه أفواج المتظاهرين رافعة شعارات تهتف بهتافات هادرة للتعبير عن مطالبها المشروعة. كنت أنظر للشرطة من جهة وهم يراقبون سلمية التظاهرة، وأنظر تارة أخرى للجمهور المحتشد من جهة أخرى. في البداية كنت أسأل عن موقع الفندق، ثم تسمرت مكاني لأتابع نهاية التظاهرة. حدث ذلك في منتصف الشهر الماضي، وانتهت التظاهرة في تلك الليلة بسلام، وتم فتح الطرقات والشوارع للسيارات، وعادت الحياة إلى طبيعتها الصاخبة بالحركة، والمفعمة بالنشاط، وقضيت بعد ذلك إجازة الربيع في عاصمة عريقة رائعة بمعنى الكلمة.
تنامت في أثينا بدايات المفاهيم الديموقراطية، وترعرع عشاق الفلسفة، وظهرت الكتابات الأولى في السياسة والتاريخ والتربية والطب، ولا يزال الباحثون والمنقبون في علم الآثار يعثرون على معلومات جديدة، وما برحت مؤسسات الثقافة والسياحة تهيئ الفرص للسائحين لزيارة المعالم الأثرية الواحد تلو الآخر، إلى جانب زيارة الجزر التي كانت كاللؤلؤ المنثور، فزرت في يوم واحد ثلاث جزر، من أروعها جزيرة هيدرا، حيث الهدوء التام، والطبيعة النقية، فهي جزيرة بلا سيارات تلوث أجواءها. ولأنني أقصد من رحلتي طلب الراحة وحب الاستطلاع والتسوق، فإنني تزودت ما استطعت بالبضائع المناسبة لمطبخ منزلي، الذي أسميه المطبخ الأندلسي، فأحضرت معي القهوة اليونانية، وأنواعاً من الأعشاب المجففة، إضافة لزيت الزيتون ومستلزمات المطبخ، والكثير مما راق لي. كنت شديدة التعلق بالتسوق، واختيار الهدايا لأبنائي وأحفادي، وكانت الأسواق الحديثة والشعبية كافية لإشباع رغباتي، وتلبية حاجاتي. ولقد وجدت متعة في تناول الأطعمة الشهية؛ والسلطات اليونانية بلمسات ساحرة، والأطباق الشعبية.
شعرت بانبهار شديد، عندما زرت أقدم استاد رياضي في أثينا، «استاد باناثينايك» المتألق برخامه الأخاذ. تم بناء الملعب قبل ألفين وخمسمئة سنة، ويسع لستين ألف متفرج. زيارة الملعب بالتأكيد زيارة مستحقة لكل من جال وتنزه في ربوع تلك البلاد. عن طريق هذه الملاعب العتيدة أصبحت كلمة الماراثون وشعلة الأولمبياد من مفردات الرياضة عالمياً. ولا يمكن أن أنسى المكتبة العامة الجديدة، فهي من أجمل المباني المعمارية الحديثة، حيث تشبع ميول المتطلعين للقراءة من جانب، وتلبي رغبة عشاق التنزه في الحدائق ممن يمارسون الرياضة من جانب آخر. يُعتبر المبنى من روائع المعماري الإيطالي الشهير رينزو بيانو.
بمجرد قدومي إلى الكويت بدأت في لبس مجموعة من الملابس اليونانية أتزين بها مع حفيدتي نورية، كما هرعت إلى اعداد طائفة من أطباق الطعام اليوناني. ولقد خصصت ركناً في مكتبتي لمجموعة الكتب والصور والتحف التي أحضرتها معي، ولا تزال ذكريات هذا البلد العريق تقبع في أعماقي، وتثري خيالي، وتلهم قلمي لتدوين لطائف الرحلة في أكاديمية أفلاطون، ومدرسة أرسطو، ومتحف الحياة المدرسية، وبرج الرياح، ومتحف أكروبولس.